العمل الفنى هو تنظيم جمالى يحمل فكرة يجسدها الفنان باستخدام أسس و تقنيات مقصودة تفصح عن مدى التوافق بين الامكانات التقنية و التعبيرية للعمل الفنى و اظهار الفكرة التى يسعى الفنان لتحقيقها ، فللتقنية دور اساسى فى العمل الفنى , لأنها تمثل الخبرة و القدرة على تجسيد الأفكار بواسطة الأدوات , لإخراج العمل الفنى إلى حيز الوجود.
حيث ذكر "ناثان توبلر" فى مؤلفه حوار الرؤية " أن الفنان هو صاحب القرار فى نوع و عدد التنويعات التقنية الواجب استعمالها فى أى عمل فنى منفرد تبعا لأسلوبه الشخصى و غاياته الجمالية و التعبيرية "( ) ، كما يقرر "فوسيون" حينما حاول أن يوضح أن موضوع الفن هو عالم – المعطيات الموضوعية – يتمتع بضرب من الاستقلال أو الاكتفاء الذاتى , فيقرر أن الصور تتمتع بوجود خاص نظرا لأنها موضوع قائم بذاته , لا تتجلى الا بواسطة مجموعة من اللمسات الخاصة ".( )
و يرى "زكريا إبراهيم" أنه لابد للعمل الفنى أن يكون ثمرة لعملية منهجية خاصة , و هى عملية تنظيم العناصر التى تتألف منها حركته الداخلية , التى تخلع عليه طابعا حيا يشيع فيه الروح , فالعمل الفنى لابد و ان يصدر عن مهارة إبداعية.
و عملية تنظيم العناصر تترجم عن طريق التقنيات المتعددة فى العمل الفنى ، فعن طريق التقنية المستخدمة يستطيع المصمم / الفنان النفوذ إلى صميم المادة , فعندئذ تتحول الى موضوع فنى ، و ليست حياة الموضوع الفنى سوى تلك الديمومة الباطنة التى تشيع فيه حيث يبدو أمامنا و كأنما هو يتجه بتمامه نحو معناه محققا ذاتيه تعبر عما فيه من وحده باطنة .
كما يؤكد "هربرت ريد" على دور التقنية فى العمل الفنى عن طريق بلورة الشكل (الهيئة) من خلال ترتيب الأجزاء (الأسس) فى قوله " ان الشكل هو أهم العناصر التى يقوم عليها بناء العمل الفنى , و الشكل هو الهيئة , او ترتيب الأجزاء , فإننا سنجد شكلا طالما كانت هناك هيئة و طالما كان جزءان او اكثر مجتمعين مع بعضهما لكى يصنعا نسقا مرئيا " .( )
ومن الطبيعى أننا حينما نتحدث عن شكل عمل فنى ما فإننا نضمن فى كلامنا , انه شكل "خاص" بطريقة معينة او انه شكل يؤثر فينا بطريقة معينة ، فالتقنية عملية مركبه , فمنذ بدء اختيار الفنان للخامة و القيام بعملية الأداء و التنفيذ , اى مرحلة الاستبصار الجمالى لتحقيق فكرته الابداعية , تستمر عملية تفاعل حواسه وقدراته التشكيلية مع الخامة عن طريق التقنية وتنظيم عناصره من خلال الأسس المتنوعة و حتى ينتهى توتره بالسيطرة التشكيلية عليها و تجاوبها مع فكرته التخيلية.
و نتيجة لتغير المفاهيم الفنية والجمالية مع بداية القرن العشرين طرأت على الحركة الفنية تغيرات متعددة , و تشكلت مبادىء جديدة ورؤى مستحدثة للفن بالنسبة للتقنيات المستخدمة لوسائل التعبير لخلق ذلك الإحساس الفنى و الجمالى من خلال تجربة الفنان الذاتية.
فقد تغير مفهوم التقنية منذ بدايات الفن الحديث مع التقدم العلمى و التكنولوجى والصناعى فى مجال إنتاج الخامات و الأدوات التى زادت من القدرات الإبداعية للفنان فى التعرف على خاماته حتى أصبح مرسمه مليئ بالعدد و الأدوات اليدوية و الكهربائية والتكنولوجية , مما أضفى على القدرات التشكيلية و التخيلية للفنان أبعاد و رؤى جديدة أصبح من الضرورى معها الوصول الى اساليب وتقنيات مستحدثة تناسب التحول السريع للعصر.