المدرسة الواقعية .. المدارس الفنية التشكيلية
الفن التشكيلي: هو كل شيء يؤخذ من طبيعة الواقع . ويصاغ بصياغة جديدة . أي يشكل تشكيلاً جديداً، وهذا ما نطلق عليه كلمة (التشكيل) .
والتشكيلي: هو الفنان الباحث الذي يقوم بصياغة الأشكال .آخذاً مفرداته من محيطه. ولكل إنسان رؤياه ونهجه ، لذا تعددت المعالجات بهذه المواضيع ، مما أضطر الباحثون في مجالات العطاء الفني أن يضعوا هذه النتاجات تحت إطار ( المدارس الفنية).
المدرسة الواقعية:
وهي المدرسة التي تنقل كل ما في الواقع والطبيعة إلى عمل فني طبق الأصل، فهي مجمل رصد لحالات تسجيلية كما أقتضاه الواقع من حيث الظروف السياسية والاقتصادية والدينية في ذلك العصر. كما ترصد عين الكاميرا الفوتوغرافية اليوم واقع معين ما يخص المجتمع.
وقد تدخلت عواطف وأحاسيس الفنان في رصد هذه الأعمال فكان هناك الواقعية الرمزية والواقعية التعبيرية.إن الدور الأهم الذي يميز تلك المرحلة ، توثيقها لمجمل الشخصيات التي كان لها وزنها الاجتماعي والسياسي والديني في تلك الفترة ، لذا نلاحظ – ومنها تندرج كثير من أعمال الكلاسيكين التي تهتم بالطبيعة والبورتريه ورسم المزهريات والطبيعة الصامتة .
في الوقت الذي كانت الحضارة العربية مزدهرة كانت لا تزال أوروبا تقبع تحت ستار التراجع وذلك بسبب سيطرة الكنيسة على الحياة العامة بحجة المسيحية التي هي نفحة سلام ومحبة ، فقوضت دور الفن وحاربت الفنانين بحجة الدين فبقي يسيطر على أوروبا الفني البيزنطي الذي يعتمد التبسيط ويخدم الكنيسة فتأخرت الفنون حتى انطلقت النهضة الفنية في إيطاليا فلورنسا /فينيسيا / نابولي . فاهتم الفنانون بالظل والنور والمنظور واعتمدوا مفاهيم الفن الواقعي .
حيث كان من المألوف أن يرسم الفنان اللوحة في مرسم بعد أن يأخذ الخطوط العامة من الواقع فتكون اللوحة محنطة لا علاقة لها بالواقع حيث كان يوزع الفنان الظل والنور حسب القاعدة والمنطق أو الخيال ولكن في معرض باريس 1824م شارك الفنان جون كونستابل والذي يدعى مصور الطبيعة وهو إنكليزي الأصل بلوحات رسمت تعبر عن الواقع وتأخذ الطبيعة ببساطتها فلاقت هذه اللوحات الإعجاب من قبل الفنانين الفرنسيين فبدؤوا برسم الطبيعة وأصبحت لوحاتهم تنبض بالحياة وأطلق على أتباع هذا الاتجاه بالواقعيون الطبيعييون ومنهم غوستان كوربييه 1819 /1877 فاز بجوائز عديدة وكان من أقطاب هذا الاتجاه الفني الواقعي وولد في أورفان الفرنسية رسم عناصر الطبيعة منفردة مثل الجبال /البحر والشجر
جاءت المدرسة الواقعية ردا على المدرسة الرومانسية، فقد أعتقد أصحاب هذه المدرسة بضرورة معالجة الواقع برسم أشكال الواقع كما هي ، وتسليط الأضواء على جوانب هامة يريد الفنان إيصالها للجمهور بأسلوب يسجل الواقع بدقائقه دون غرابة أو نفور.
فالمدرسة الواقعية ركزت على الاتجاه الموضوعي، وجعلت المنطق الموضوعي أكثر أهمية من الذات فصور الرسام الحياة اليومية بصدق وأمانة ، دون أن يدخل ذاته في الموضوع، بل يتجرد الرسام عن الموضوع في نقلة كما ينبغي أن يكون، أنه يعالج مشاكل المجتمع من خلال حياته اليومية، أنه يبشر بالحلول . لقد اختلفت الواقعية عن الرومانسية من حيث ذاتية الرسام، إذ ترى الواقعية أن ذاتية الفنان يجب أن لا تطغى على الموضوع ، ولكن الرومانسية ترى خلاف ذلك ، إذ تعد العمل الفني إحساس الفنان الذاتي وطريقته الخاصة في نقل مشاعره للآخرين.
الواقعية .. والثورة الصناعية :
اتسم منتصف القرن التاسع عشر بتحول حاسم في ميدان الفن كما حدث في ميداني الآداب والفلسفة ، ويرجع هذا الالتحول إلى التطور الهائل في علوم الطبيعة والكيمياء والميكانيكا، وإلى الثورة الصناعية التي كانت ثمرة هذا التطور، ففي هذه المرحلة بدأ ظهور الآلات الحديثة في الإنتاج فأدّى إلى انقلاب هائل في حياة المجتمعات البشرية في أوروبا نتيجة الانتقال من الحضارة الزراعية والتجارية إلى الحضارة الصناعية، وأيضا نتيجة إلى نجاح العلم في تعليل الكثير من الظواهر الطبيعية، حتى بدا أنه لم يعد هناك عائق في سبيل الكشف عن جميع أسرار الوجود، وهكذا أصبح العلم المعبود الجديد في أوروبا تعقد عليه جميع الآمال، واحتل شعار التقدم مكان القيم المختلفة التي جعل منها الإنسان الأوروبي في السابق غاية الوجود، وكان العلم وقتها لم يزل في مرحلته الأولى المادية لا يؤمن إلا بالأشياء الواقعية المحدودة الملموسة، فكان من الطبيعي أمام هذه الانتصارات التي حققها العلم أن تلجأ الفلسفة والأدب والفن إلى اقتباس أساليب هذا العلم للوصول إلى انتصارات مماثلة؛ فجاءت الواقعية في الأدب والفن.
فكان من نتيجة ذلك أن أهملت الذات في سبيل الموضوع؛ فلم يعد الخيال سيد الملكات – على حد تعبير ديلاكروا - في سبيل رصد الواقع دون تدخل للمشاعر والوجدان والإلهام والميول الشخصية لدى الفنان.
أهم فنَّانِيها :
إدوارد مانييه :
الفنان الفرنسي (إدوارد مانيه) المولود سنة 1832م والمتوفى سنة 1883م من أبرز الفنانين الفرنسيين الذين دعوا للتجديد والتحرر من قيود الفن المتبعة في ذلك الوقت والانطلاق في التجريب واختيار الألوان التي يرتاح لها الفنان نفسه.. وقد شغل مركزاً عظيماً في تاريخ الفن الحديث.
٭ كان واقعياً في بداياته متجرداً من الانفعال، ملتزما بمواضيعه.
٭ دراسته للفن كانت على يد الفنان (كوتير) لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فالمعلم والتلميذ لم يتوصلا إلى إرضاء وإقناع بعضهما وذلك طيلة 6 سنوات بعدها قرر مانيه أن يعتمد على نفسه وانطلق بكل جدية يدرس الفنون من خلال الزيارات العديدة لمتحف اللوفر، وقيامه برحلات لاسبانيا وهولندا وألمانيا لمتابعة الفن والفنانين.
٭ صور مانيه انعكاسات الأضواء تصويراً مباشراً لكن كان مختلفاً عن أسلوب التأثيريين فبدأ بفرش اللوحة بالألوان الفاتحة الناصعة ثم أضاف الألوان القاتمة بالتدرج أي أنه عكس أسلوبهم مائة وثمانين درجة.
فقد اهتم بتناول الحياة العصرية بدلاً من المواضيع التاريخية أو الأسطورية، ومع أن هذه النزعة كانت قد ظهرت في أعمال الكثير من الفنانين السابقين إلا أن هذه الموضوعات كانت تصاغ في الغالب صياغة تقليدية؛ أما مانييه فقد اهتم بروح العصر، وليس فقط بمظاهره، ومن هنا أصبح لفنِّه طعم آخر لأن أسلوبه قد تضمن شيئًا من التحرر من فكرة النقل عن الطبيعة ومحاكاة ظلالها وأضوائها وتجسيماتها، لقد خرج عن محاولة تكوير الأجسام بواسطة التظليل، هذا التكوير الذي كان يحرص عليه الفنانون الأوربيون أشد الحرص منذ عصر النهضة من أجل الإيهام بالبعد الثالث، وباستغنائه عن التكوير استغنى كذلك عن التظليل.
فاستخدم الألوان في صورة مساحات مسطحة تقريبًا؛ فاستطاع بالاعتماد على اختلاف المساحات في شكلها ونوعية الألوان ودرجة كثافتها أن يوحي مجرد إيحاء بالتجسيم، فاستطاع أن يوحي بالضوء، فهو في لوحاته كأنه ينبع من الأجسام نفسها وليس مسلَّطًا عليها من مصدر جانبي.
لوحة عازف الفلوت للفنان إدوارد مانييه
ومن خصائص المدرسة وهذا الفنان :
1- إهمال الذات في سبيل الموضوع: فاللوحة ليس بها أي مشاعر أو أي تعبير عن إحساس الفنان، وإنما هي لواقع ملموس ومرئي لولد صغير يعزف على الفلوت ليس أكثر.
2- اهتمامه بروح العصر والبعد عن القصص الأسطورية وبعيدًا عن المواضيع التقليدية.
3- الخروج من تكوير الأجسام بواسطة التظليل من أجل الإيهام بالبعد الثالث؛ فاستخدم الألوان في صورة مساحات، واعتمد على نوعية الألوان ودرجة كثافتها؛ ليوحي مجرد إيحاء بالتجسيم.
4- الضوء ليس مسلط على العازف من مصدر خارجي، ولكن ينبع من جسمه ومن تباين المساحات ودرجات الألوان
هونوريه دومييه Doumier :
حلقة بين الرومانتيكية والواقعية فلم يكن عالمه عالم الطبيعة بمعناها العام وإنما عالم الإنسان، فإذا كان فنُّه قد اتسم بالواقعية فلم يكن ذلك اعتمادًا على فلسفة معينة أو جريًا وراء أسلوب خاص في الفن، وإنما تأثرًا بواقع مجتمعه البورجوازي (الطبقة المترفة صاحبة النفوذ) الذي كان يصدمه كل يوم بسخفه وفساده وغروره.
من الناحية الأخرى فالواقعية كانت سلاحه الطبيعي المشروع للدفاع عن النفس ولفضح المجتمع، إنها لَوَاقعية إنسانية صادرة من القلب فامتزجت بالشاعرية،
وبناءاً على تدخل عواطف وأحاسيس الفنان في رصد هذه الأعمال فكانت هناك الواقعية الرمزية والواقعية التعبيرية :
الرمزية: وهي ترميز الاشياء من خلال اللون، وترميز الوضعية للحالة أيضاً. كما في أعمال الفنان "روزيتي" فقد جرب الرمزية من خلال لوحة (بياتريس المقدسة). وهي لوحة تذكارية رسمها لوفاة زوجته وكان هدفه الاحتواء الرمزي لوفاة بياتريس في اللوحة التي ترى فيها لحظة صعود بياتريس الى السماء، وكأنها في غيبوبة وكان لكل لون استعمله روزيتي معناه الواضح في الترميز.
أهم فناني الرمزية : "جيمس وسلر – دانتي روزيتي – شافان – غوستاف مورو".
التعبيرية (التأثيرية): نشأت التعبيرية في المانيا 1910، وفكرة التعبيرية في الأساس هي أن الفن ينبغي أن لا يتقيد بتسجيل الانطباعات المرئية فقط بل عليه أن يعبر عن التجارب العاطفية والقيم الروحية. وهناك فنان ألماني اشتهر بالتعبيرية في بدايته هو الفنان "هنري ماتيس" الذي قال: التعبير هو ما أهدفه قبل كل شئ. فأنا لايمكنني الفصل بين الاحساس الذي أكنه للحياة وبين طريقي في التعبير عنه.
أهم فناني هذه المدرسة : "هنري ماتيس – هنري روسو – أميل نولده – بيكاسو".