ما معنى الكلاسيكية ؟
لقد جرت العادة أن يطلق لفظ كلاسيكي على الشئ التقليدي أو القديم ، بل نطلق هذا اللفظ على الشخص الذي يتمسك بالنظم السابقة التقليدية دون تغييرأو إضافة . والحقيقة أن لفظ كلاسيكية هو مفردة يونانية وتعني ( الطراز الأول ) أو الممتاز أو المثل النموذجي .
على ماذا يعتمد الفنان الكلاسيكي في فنه ؟
تعتبر المدرسة الكلاسيكية الأساس المتين لبدايات الفن التشكيلي حيث تعتمد على الرسم الدقيق للأشكال وغالباً ماتكون الموهبة فيها مفيدة بخطوط قواعدية لا يجوز الخروج عنها حيث اعتمد الفنان الكلاسيكي على الأصول الجمالية المثالية ، فنرى في المنحوتات أشكالا للرجال أو النساء وهم في منتهى الكمال الجسماني للرجال والجمالي المثالي في النساء ، فقد كانوا اليونانيون ينحتون أو يرسمون الأنسان في وضع مثالي ونسب مثالية ، لقد ظهر الرجل في أعمالهم الفنية وكانه عملاق أو بطل كمال جسماني ، وظهرت النساء وكأنهن ملكات جمال . فنرى ان المفهوم الكلاسيكي عندهم كان المثال والجودة
متى استخدمت الكلاسيكية في الفن ؟
قبل أن تستخدم هذه الكلمة في القرن الثامن عشر كانت الكلاسيكية قد أنبعثت من جديد في إيطاليا ، في بداية القرن الخامس عشر ، إذ كانت أنذاك نهضة شاملة في كافة ميادين العلم شملت فن الرسم والنحت ، وقد تركز في تلك الفترة الاهتمام بالأصول الإغريقية في الفنون الجميلة ، ثم نادت مجموعة من الفنانين بإحياء التقاليد الإغريقية والرومانية ، والتي كانت أثارها في فن النحت والعمارة والتصوير تنتشر في إنحاء إيطاليا.
فالمدرسة"الكلاسيكية" هي التي عاصرت الثورة الفرنسية (1793م) وتبنت تلك المدرسة التعبير عن شعار الثورة الأشهر "العدل - الحرية - المساواة"، ، لكن الأعمال الفنية الكلاسيكية نفسها تعكس مجموعة من القيم والمفاهيم، ربما لا تتوافق مع شعار الثورة الفرنسية الذي اتخذته المدرسة الكلاسيكية شعارًا لها. بدأت الأضواء تتسلط على الكلاسيكية منذ عصر لويس الخامس عشر ويرى بعض المؤرخين إلى أن صديقة الملك " يوميا دور" هي التي لفتت الأنظار إلى ذلك الفن حيث أن الاهتمام بالكلاسيكية صار يضمحل بعد وفاة لويس عام 1774 وذلك بعد أن أشرفت ماري أنطوانيت زوجة الملك لويس السادس عشر على شؤون الفن في فرنسا. ولكن الكلاسيكية عادت لتستعيد مكانتها بعد قيام الثورة في فرنسا وإعدام الملك عام 1793.
وهكذا نشأت النزعة الكلاسيكية الجديدة على يد الفنان " جاك لويس دافيد " (1748-1825) ، وكان قد ساعد على ظهورها اكتشاف بعض التماثيل الرومانية ، في إيطاليا ، وهي تحاكي الفن الاغريقي القديم ، وذلك في عهد لويس الخامس عشر. ويعتبر جاك لويس دافيد هو رائد الكلاسيكية الحديثة وكان معه عدد من الفنانين مثل انفروغرو وجيرار وشافان , واشتغل دافيد بالسياسة , واشترك في الأحداث التي مهدت لاندلاع الثورة ثم تعين عضواً في الأكاديمية الملكية عام 1781 وصار يستقي مواضيعه من القضايا الوطنية. ثم اتجه لرسم لوحات إعلامية تمثل ضحايا الثورة الفرنسية وبعد أن وصل دافيد إلى أعلى المراكز السياسية عاد ليخبو من جديد عام 1794 بعد أن خارت القوة السياسية لأحد أصدقائه وانكفأ بعيداً في مرسمه إلى أن أعاده نابليون للأضواء من جديد لكنه ما لبث وتوارى مجدداً بعد نفي نابليون.
اشتهر عن دافيد تسلطه في فرض أسلوبه الكلاسيكي على الفنانين الناشئين ورغم كل الانتقادات التي وجهت له إلا أنه يظل يصنف في خانة الذين أخلصوا للرسم بحالته القواعدية الكلاسيكية.
فمن خصائص الأعمال الفنية في هذه المدرسة :
أن يسود العقل حتى يصبح هو المعبود، وذلك على اعتبار أن غايتها القصوى تتمثل في تجسيد الجمال في جوهره الخالص المجرد، دون ترك أي بُعد للغيب أو الخيال في هذا التعبير الفني.
فمثلاً تتميز أعمال المدرسة الكلاسيكية بتحويل صور الطبيعة إلى قيم زخرفية وأشكال هندسية، فالجمال فيها هو جمال هندسي يخضع لأحكام العقل لا الخيال. فهو جمال هندسي يستخدم الخطوط الحادة والبناء المحكم.
أيضًا من خصائص المدرسة الكلاسيكية غنى اللون، فلا تجد في الأعمال الكلاسيكية تعبيرًا بمساحات لونية كبيرة أو علاقات لونية متداخلة، لكن تجد زخرفة مبنية أساسًا على الخط والتصميم الهندسي المحكم، وتوازن الكتلة مع فخامة التكوين.
لذلك تبرز أهم عيوب المدرسة الكلاسيكية في إطارها الضيق الذي يحول كل أشكال التعبير إلى أشكال هندسية، وهو ما يتناقض مع حب التعبير عن الحياة النابضة في شتى صورها، كما يؤكد الفنانون الكلاسيكيون في أعمالهم بهذا الأسلوب الهندسي على إعلاء شأن العقل على حساب الروح والإحساس والخيال، وهو أمر قد يتناقض -ولو ظاهريًّا- مع شعار الثورة الفرنسية الذي كانت الكلاسيكية تعبيرًا حيًّا عنه، لكنه يتفق مع مضمون تلك الثورة وسلوكها الذي تبنى فكرة علمنة الدين وفصله عن الحياة وتحويله لعبادات فردية داخل أماكن العبادة، أما الحياة فيحكمها العقل وحده وتسانده المصلحة ، وقد سميت فترة هؤلاء بفترة العصر الذهبي ، وإعتبرت أعلى المراحل الفنية في عصر النهضة ، وكان ذلك في القرن السادس عشر
من هم أشهر فناني المدرسة الكلاسيكية ؟
أشهر فناني هذه المدرسة الفنان المعروف (ليوناردو دافنشي) في فن التصوير والرسم ومن أشهر أعمال الفنان ليوناردو دافنشي لوحة ( الجيوكندا) أو ما تسمى بالموناليزا
ومايكل أنجلوا في فن النحت والعمارةو أشهر اعماله فهو تمثال موسى و سقف كنيسة سيستاين وهو زخرفة سقف كنيسة سيستاين في الفاتيكان ، خلال الفترة الواقعة بين سنة 1508 و 1512 .
تمثال موسى :
سقف كنيسة سيستاين :
"جاك لويس دافيد" فقد كان من بين أعضاء محكمة الثورة التي قضت بالإعدام على الملك "لويس السادس عشر" فأصبح بعد ذلك مصور الثورة الرسمي، وقد تجلَّت النزعة الكلاسيكية في لوحة له تتسم بالرصانة ويتعلق موضوعها بواقعة وطنية من تاريخ الرومان وهي لوحة "يمين الإخوة هوراس و موت مورات
فلنتتبع خصائص المدرسة الكلاسيكية فيها:
1 - إزراء(غنى) اللون :
اعتمد على الظلل والنور في إبراز الجسد والأشياء المحيطة به وكأن هناك ضوء مسلط من وراء الميت لإظهاره وشد الانتباه إليه والتركيز عليه فساعد في إظهار هذا الضوء الخلفية القائمة ثم أخذ دافيد في تصفيف حدة القتامة في الجزء الأسفل من الميت
واستخدم الضوء بشدة في الساعد ليجذب الانتباه بعد ذلك إلى الرسالة الموجودة في يده وهنا نرى خاصية أخرى من خصائص المدرسة وهي
2- الخطوط الحادة :
حيث ترى الرسالة التي في يد الميت والموجودة على المنضدة تعطي إحساس أنها مصنوعة من ورق مقوى فهي جامدة وحتى القماش سواء الأبيض أو الأزرق الداكن يعطي إحساسًا بالجمود والصرامة والحدة وهذا يتنافى مع طبيعة القماش اللينة المرنة وطبيعة الورق فنرى صفات الحدة
والصرامة والجمود طاغية على طبيعة الأشياء3-تجسيد الجمال دون ترك بعد للشعور :
3-تجسيد الجمال دون ترك بعد للشعور :
يتجلى هذا في جسد الميت فلقد اهتم الفنان بإظهاره بكل تفاصيله وحيويته وكأنه جسد لشخص حي مستند برأسه إلى الخلف مستسلمًا للأفكار.
واهتم بإظهار براعته ودقته في التصوير على حساب إعطاء الإحساس بالموت وإنما عبر عنه بالجرح الصغير في الصدر والسكينة الملقاة على الأرض والدم فلا نحس بالاسترخاء التام والسكون الذي يصحب الموت ولكن كل العضلات مشدودة ومنقبضة
الفنان الإسباني فرانسيسكو جويا معاصرًا لدافيد، وكان ثوريًا مثله، ولكنه كان نقيضه فبقدر ما كان دافيد متزمتًا في فنه يزدري التعبير عن المشاعر والأحاسيس، كان جويا يتخذ من الفن وسيلة للتعبير عن أعمق مشاعره الذاتية، وبقدر ما كان دافيد يعتمد على الهندسة والحساب والقواعد الصارمة كان فن جويا يعتمد على إلهام اللحظة؛ وهو ما يعني أن جويا كان يتململ من الكلاسيكية ويخرج في بعض الأحيان عن إطارها المادي. ولوحته "السجين"
في هذه اللوحة "السجين" يعبر جويا عن خصائص الكلاسيكية وفق طريقته، فهو يعتمد على تركيز الكتلة في قلب اللوحة (الرجل المقيد)، ويكرّس معاني كبت الحرية والقهر باستخدام الزوايا الحادة والخطوط المباشرة في تحديد معالم جسد الرجل المقيد، ولا يترك مساحة في اللوحة للتعبير الحر من المتلقي، بل يقدم تعبيره عن القيد في شكل هندسي مباشر، دون علاقات لونية مركبة، بل اللوحة عبارة عن خلفية في قلبها الموضوع مباشرة (رجل يجلس مكبلاً بالقيود ) .
ومن قواعد الكلاسيكيه الصارمة :
- نبل الموضوع :
الذي يعني موقا اسطوريا ، او يصور آلهه اغريقية ، او الابطال القدامى او الملوك او المواقف الدينية .
- انتقاء الجانب العاطفي :
فهي كالكلاسيكية القديمة ينبغي الا تظهر العواطف و الانفعلات ولابد ان تكون الوجوه رصينة هادئة .. مهما كان الشأن .
- مثالية الهدف :
بحيث تعبر الاعمال الفنية عن الجلال والجمال والعظمة . وفي سبيل ذلك سيتم تحوير الطبيعة حتى تبدو مثالية .
وترى الكلاسيكية الجديدة فلفن اليوناني المثل الاعلى للجمال ، وتحترم القواعد الفنية التي التزمها الفنان اليوناني القديم ، من وحدة وإيقاع وانسجام وتنسيق. وبانتهاء حياة دافيد انتهى تقريباً عهد الكلاسيكية الجديدة