الخزف........للخزف في الفنون الإسلامية مكانة ممتازة وقد اتبع رجال الخزف المسلمون في أول الأمر الأساليب التي كانت متبعة من قبل ولكنهم سرعان ما ألموا بأسرار الصنعة وحذقوها وأخذوا يبتكرون أساليب جديدة
ولعل بداية اهتمامهم كانت بصناعة الفخار وإذا كانت آثارها الأولى قد اندثرت فإن ما تبقى من القرن الثالث ( العاشر الميلادي ) وللقرون التالية من شابيك القلل يد على عناية فائقة بصناعتها وحرص على تجميلها وتنسيقها بالرغم من كثرة تداولها ورخص أثمانها إذ أن مظهرها شبيه بتطريز النسيج نقشت المجموعات الزخرفية عليها برسوم مخرمة مفرغة منوعة فيها الزخارف الهندسية المتشابكة والزخارف المقتبسة من الأزهار والثمار والنباتات وفيها أشكال محفورة للطيور والحيوانات . وكانت صناعة الخزف أكثر رواجا ورقيا اشتهرت بها مصر منذ العصر الطولوني وبخاصة في العصر الفاطمي إذ بلغ فين الخزف درجة عالية من الإتقان وامتازت بالخزف ذي البريق المعدني الذي كان يشكل أولا من الطينة وتحرق فتظهر حمراء كالفخار ثم تكسى ببطانة من عجينه بيضاء وبعد أن تجف ترسم عليها الأشكال الزخرفية بمواد معدنية مختلفة الألوان وتطهى مرة ثانية فتخرج براقة لماعة وامتازت أواني الخزف فوق بريقها برقة جدارها ودقة زخارفها بأشكال الطيور والحيوان والإنسان القائمة على أرضية من الزخارف النباتية .
وظهر كذلك في العصر الفاطمي نوع ثان من الخزف نقشت رسومه تحت طلاء من لون واحد هو اللون الأخضر أو الفيروزي وقد اشتهر هذا النوع بصفة خاصة في العصر الأيوبي وفي عصر المماليك في مصر وسوريا وكانت الزخارف نفسها ترسم باللونين الأسود والأزرق وقد تخلفت من تلك العصور قطع فنية رائعة وإن كان معظمها أجزاء من أوان مكسورة .
وبالرغم من أن الخزاف كان يصنع في مصر وسوريا وبلاد المغرب والأندلس كانت منتجاته تثير الإعجاب فإن شهرة بلاد إيران والعراق في صناعة الخزف فاقت شهرة غيرها من مراكز صناعة الخزف إذ بدأت منذ القرن الثاني الهجري ( الثامن الميلادي ) حيث كان صنع الفخار المدهون ذو الزخارف المخروزة أو المرسومة تحت طبقة شفافة والخزف ذو الزخارف المحفورة والمطلية أو لمرسومة بالألوان تحت طبقة من الطلاء الشفاف وقد عثر على أوان مختلفة الأشكال والألوان من هذه الأنواع في سمرقند ونيسابور كما عثر في سمراء والمدائن من العراق وفي سوس والري من إيران على أوان أخرى من الخزف المحلى بزخارف من البريق المعدني شبيهة بخزف البريق المعدني الذي عثر عليه في مصر ولكنها تمتاز عنها بأساليب ورسومها ويعد هذا النوع من الخزف العراقي أكثر أنواع الخزف ذي البريق المعدني بجهة وإبداعا سواء من حيث ألوانه أو رسوم زخارفه أو أشكال أوانيه وكذلك كانت تصنع في لعراق وإيران في القرنين الثالث والرابع الهجري ( التاسع والعاشر الميلادي ) أوان جميلة من الخزف المطلي بالميناء الفضي والذي نقشت الزخارف فوقه باللونين الأزرق والأخضر .
ويعد العصر السلجوقي في القرنين التاليين عصر الازدهار لفنون الخزف في إيران وقد ابتكرت في ذلك العصر أكثر أنواع الخزف الإسلامي رقة وروعة وإتقان صنعة وتفرقت مراكز صناعته في معظم أرجاء إيران وبخاصة في الري وسلطان اباد ونيسابور وقاشان وتعددت أنواع الخزف وأساليب طلائه وتنوعت ألوانه وزخارفه من محزوزة ومحفورة وبارزة ومخرمة ومجسمة ومنقوشة فوق الطلاء أو تحته واستخدم الخزف في صناعة شتى الاواني من أكواب وأقداح وكؤوس وقنان وأباريق وسلطانيات وصحون ومباخر ومشاعل ، واختلفت أشكالها وامتازت بمظاهر الجمال وإبداع الزخارف وكانت بعض الأواني على درجة كبيرة من الرقة حتى كانت شفافيتها ظاهرة واختلفت الألوان من أبيض إلى ازرق زهري إلى فيروزي إلى اصفر أو اخضر إلى اسود تحت طلاء أزرق أو شفاف أما الزخارف فمنها التفريعات النباتية ومنها الأخص رسوم الطيور والحيوانات والأشكال الآدمية والكتابات الكوفية المتشابكة مع الخزف أنواع مشهورة مثل خزف - لقبى - الذي كان يصنع بمدينة الري وخزف جبري الذي كان ينتسب إلى همدان
وفاقت شهرة قاشان غيرها من البلدان في القرن السابع الهجري ( الثالث عشر الميلادي ) وبخاصة في الخزف ذي البريق المعدني وفي قراميدها التي أصبحت تنسب إليها جميع أنواع القراميد المطلية وتعرف باسم القاشاني وقد أنتجت مصانع المدينة لوحات صغيرة مربعة أو نجمية الشكل رائعة في رسومها وألوانها وبريقها واستخدمت في كسوة الجدران وبخاصة المحاريب التي تبقت منها أمثلة فخمة في مسجد الإمام الرضا بمدينة مشهد وفي مسجد إمام زاده يحيى في فرامين وجميعها من أوائل القرن السابع وتمتاز هذه اللوحات بزهاء ألوانها الخضراء والصفراء ودقة زخارفها النباتية ولكن أنتجت لوحات أخرى رسمت عليها أشكال الطيور والحيوان وقصص بهرام جور وحبيبته آزاده وقد ظهرت الرسوم فيها بارزة مجسمة كأنها نحت رقيق ملون على الحجارة .ومن أنواع الخزف السلجوقي نوع من البريق المعدني ينسب إلى مدينة الرقة على ضفاف الفرات وتمتاز ألوان البريق فيه بدكنتها بنية اللون أو سوداء تحت طلاء شفاف أخضر أو أزرق واشتهرت زهريات الرقة وأباريقها وسلطانياتها في القرنين السادس والسابع الهجري – الثاني والثالث عشر الميلادي –
واستمر الخزف الإيراني متبعا تقاليده في العصر المغولي ولكنه في العصر الصفوي في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي يزدهر ازدهارا كبيرا من جديد وقد حاول الإيرانيون في ذلك العصر تقليد صناعة الخزف الصيني المعرف بالبورسلين – الغضار الصيني- ونجحوا في ذلك إلى حد مضاهاة ذلك الخزف تماما وإلى جانب ذلك استمر الإيرانيون في صناعة الخزف ذي البريق المعدني وبرعوا في رسم الطبيعة والموضوعات التعبيرية على لوحات بألوان ذهبية أو بينة أو حمراء على أرضية بيضاء أو صفراء أو زرقاء وكانت هذه اللوحات البديعة تكسو الجدران مثل تلك التي كانت يحويها قصر جهل ستون في اصفهان والتي كانت تصور مناظر الحفلات .
النســيج ..............كانت المنسوجات في أوائل العصر الإسلامي تصنع وفقا للأساليب والطرز التي كانت متبعة في صناعة النسج عند القبط والساسانيين غير أن أسلوبا إسلاميا أصيلا خالصا أخذ ينمو تدريجا ويتطور ويسود جميع البلاد الإسلامية وبدأت مراكز تلك الصناعة تمتاز بدور الطراز كما أخذت المنسوجات الإسلامية تمتاز عن غيرها بالطراز وهو ذلك الشريط الزخرفي أو الكتابي المنسوج أو المطرز الذي يمتد على أطراف القطعة المنسوجة والذي كثيرا ما كان يسجل عليه أسماء الخلفاء .
وكانت دور الطراز بمصر أكثر الدور شهرة وبخاصة في تنيس والإسكندرية والفسطاط حيث كانت تصنع المنسوجات الكتانية والحريرية ذات الأنواع الفاخرة مثل القصب والبدنة والبوقلمون والدبيق التي امتاز بعضها بالرقة والبعض الآخر بتموج الألوان ومنها الموشاة بخيوط الذهب والفضة .
وقد صنعت المنسوجات في هذه الدور المصرية خصيصا للخلفاء وتحتفظ المتاحف العالمية بقطع من المنسوجات الكتانية المطرزة بالحرير المختلف الألوان سجلت عليها أسماء الخلفاء مثل هارون الرشيد والامين والمعتضد والمقتدر بالله وغيرهم نسجت بالخط الكوفي المورق وأخذت مثل هذه المنسوجات تزداد رقة وإتقان صنعة في العصر الفاطمي وقد سجلت هذه عليها كذلك أسماء الخلفاء الفاطميين مثل العزيز بالله والحاكم بأمر الله والظاهر لإعزاز دين الله والمستنصر بالله والحافظ لدين الله وغيرهم .
وكانت هذه المنسوجات تحلى بالإضافة إلى الطراز والخط الكوفي أو عوضا عنها بزخارف هندسية وتفريغات نباتية أو رسوم الطيور والحيوان منسوجة أو مطرزة بألوان مختلفة منها الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق والأبيض المزدانة أحيانا بخيوط الذهب والفضة وكانت تصنع كذلك بالمصانع المصرية منسوجات من الحرير وأخرى من الصوف .
كما كان من هذه المنسوجات نوع آخر استبدلت بزخارفه المنسوجة والمطرزة زخارف مرسومة أو مطبوعة بالمداد المذهب وغير المذهب وكانت تستخدم أختام خاصة لطبع الزخارف يختص كل ختم بلون بذاته أو بشكل من الأشكال وبالرغم من هذه المنسوجات كانت ارخص ثمنا من الأقمشة المنسوجة أو المطرزة زخارفها فإنها لم تكن تقل عنها رقة ودقة وخفة واستمرت دور الطراز بمصر تصنع هذه المنسوجات المختلفة الأنواع في القرون التالية ولكانها اتخذت مظهرا أقل زخرفا ولا شك أن ذلك كان يرجع لوفرة إنتاجها ومع ذلك تختلف من عصر المماليك قطع من منسوجات حريرية مطرزة وموشاة بالذهب سجلت عليها أسماء السلاطين والأمراء .
وقد سايرت العراق النهضة في صناعة النسج وكانت تصنع ببغداد والموصل منسوجات حريرية موشاة بالذهب محلاة برسوم الطيور والحيوان مزينة بالكتابة الكوفية واستمرت هذه الصناعة مزدهرة في العصر العباسي وحتى نهاية العصر السلجوقي .
ولم تقتصر صناعة النسيج على مصر والعراق فقد كان لها في إيران شأن كبير وأنشئت دور للطراز وفي مرو ونيسابور وسمرقند وغيرها وأنتجت أقمشة كتانية وحريرية نسجت عليها الزخارف الكتابية وأشكال الطيور والطواويس والحيوان وازدهرت صناعة المنسوجات الإيرانية في العصر السلجوقي وبخاصة في مدينة الري وأخذت الزخارف تتخذ الطابع الإسلامي الأصيل ولا سيما في لتعبيرات النباتية وأشكال التوريق والنخيل وذلك بالإضافة إلى رسم الطيور والحيوان واشتقاقا من الأساليب التي كانت متبعة في منسوجات البلدان الإسلامية الأخرى .
وكان العصر الصفوي فيما بين القرن السادس والثامن عشر هو العصر الذهبي لصناعة النسج في إيران وبخاصة المنسوجات الحريرية الموشاة وغير الموشاة وهي التي امتازت زخارفها بمناظرها الطبيعية وموضوعاتها القصصية المشتقة من الشاهنامة أو من أشعار نظامي .
وامتازت ألوانها بتعددها وزهائها وامتازت صناعتها بالدقة والإتقان ولقيت المنسوجات الحريرية المخملة رواجا كبيرا في ذلك العصر وهي المنسوجة زخارفها بالقطيفة البارزة .
الخط العربي.......... أول مظهر من مظاهر الفن والجمال التي عنى به الأعراب بعد إسلامهم كان في تجميل الخط العربي وتجويد آيات القرآن الكريم كتابة ، مثلما عنوا بتجويدها قراءة وترتيلا وكان هذا الدافع الديني هو العامل الرئيسي الذي جعل للخط العربي مكان الصدارة في الفنون الإسلامية بعد العمارة وسما به في عالم الزخرفة إلى مرتبة لم يحض بها منقب الخط العربي الزخرفي في أي لغة أخرى من اللغات أو أي فن آخر من الفنون .
كانت الحروف العربية منبعجة مفرطحة متباينة الأشكال بعيدة كله عن المظهر الزخرفي ولكن رجال الفن الإسلامي استطاعوا إن يخوضوا هذه الحروف لحساسيتهم الفنية وغريزتهم بالتطويل تارة وبالحشو تارة أخرى أو بالتبسيط والانتقاء والتسلسل حتى أخرجوا منها صورا جميلة المنظر وأكسبوها وضوحا في المعنى وفي التسطير أودعوها سرا يحمل الناظر إليها على الخشوع والإعجاب وجعلوا منها علامة التعريف بوحدة الفنون الإسلامية .
وكان الأسلوب الغالب في القرن الأول الهجري السابع الميلادي معروفا بالخط الكوفي نسبه إلى مدينة الكوفة بالعراق ومعظم حروفه مستقيمة تلتقي بزوايا حادة واستخدم هذا الخط خاصة في كتابة المصاحف وأقدم نموذج معروف منها نسخة من القرآن الكريم محفوظة بدار الكتب المصرية يرجع تاريخها إلى منتصف القرن الثاني الهجري – الثامن الميلادي – وأخذت الكتابة في العصور التالية تحلى بالزخارف من أشكال الأوراق النباتية المرسومة باللون الذهبي وتنوعت الأساليب منذ القرن الخامس الهجري – الحادي عشر الميلادي – حين بدا الخط النسخي يحتل مكان الصدارة في الكتابة .
وأتبع الإيرانيون أول الأمر أسلوب الخط الكوفي ثم ادخلوا عليه طابعا خاصا بهم يمتاز بالمد والتطويل كما أدخلوا فيها بعد على الخط النسخي منذ القرن السابع الهجري – الثالث عشر الميلادي – تطويرا أطال الأطراف المستديرة وزادها انحناء وأدى هذا التطوير إلى ابتكار الأسلوب المعروف بالخط الفارسي وهو الذي انتشر منذ القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي والذي اشتهر فيه خطاطون ذاع صيتهم مثل مير علي التبريزي وسلطان على المشهدي .
كان مجال الخط العربي واسعا في المصاحف والكتب ولكنه ارتبط منذ نشأته بالعمارة ومنها اشتق في زخرفة الفنون التطبيقية على مختلف أنواعها وكان الخط الكوفي من أهم العناصر الزخرفية في العمارة بل إن من المباني ما اقتصرت زخرفته على الأفاريز الكتابية التي كانت تضفي روحا من الهدوء والسلاسة والجمال ثم تطور الخط العربي وظهرت فيه أساليب مختلفة كان الخط المزهر أكثرها أهمية وأوسعا انتشارا .
وظهرا هذا التطور الزخرفي في وقت واحد تقريبا في آثار جميع البلاد الإسلامية من كرمان وردكان في إيران إلى القيروان وقرطبة في بلاد المغرب والأندلس وكان له مكانة هامة على الأخص في القاهرة في العصر الفاطمي وبخاصة في محراب مسجد الأزهر سنة 361هـ 972م ومئذنتي مسجد الحاكم بأمر الله سنة 393هـ 1003م وفي هذه الآثار وغيرها تظهر الكتابة على درجة فائقة من الرشاقة والإبداع والجمال .
واستمر الخط العربي في تطوره الفني حتى تنوعت أساليبه وأنواعه تنوعا لا حصر لأشكالها وأعدادها ولم يقف هذا التطور عند حد في مختلف العصور إلى وقتنا هذا
______________________