وقد يعتمد العمل الجدارى على أسلوب فنان واحد يستعين خلاله بفريق عمل للقيام بعملية التنفيذ ، فالكثير من أبرز فنانى الجداريات فى الحركة المكسيكية على سبيل المثال قاموا بتصميم الجدارية بشكل فردى ولكنهم اضطروا إلى الإستعانة بفريق عمل فى تنفيذها ، وهو الشىء الذى يعكس بدرجة واضحة الحاجة إلى جماعة عمل يتطلبها ذلك النوع من الفنون ، والذى يختلف كثيرا عن لوحة الحامل التى هى فى المقام الأول إنجازا فرديا للفنان .
أيضا على سبيل المثال لا الحصر أعمال عبد السلام عيد و محمد شاكر و محمد فؤاد طلبة ففى أعمال الأول ـ جداريات الاسكندرية ـ نجده قد استخدم سور مستشفى مصطفى كامل كخلفية لعمل جدارية ضخمة عبر فيها عن تاريخ مدينة الاسكندرية بتراثها مؤكدا فى ذلك على التكوين بما يتضمنه من عناصر وقيم ، مستخدما فى ذلك خامات عديدة ( حجر صناعى ، كسر رخام ، موازييك ، بولى إستر ) ـ ومحققا مستويات متعددة لسطح الجدارية .
من هنا تأتى أهمية العمل الجماعى لما يتبعه من فرصة إدماج أفراد جماعة العمل فى عمل موحد ذو صفة ديناميكية من خلال تفاعل القدرات والطاقات والمهارات المتنوعة لهؤلاء الأفراد فى ضوء ضوابط فنية وسلوكية ، تعد هى أهداف ذلك العمل إلا أن هناك العديد من المشاكل والمعضلات التى يتميز بها العمل الجماعى سواء من جانب مادة العمل أو طريقته .
لقد ظهرت حركات الفن فى القرن العشرين مثل طفرات جريئة وظهر الولع بفنون التجريديين ، وقوى الألة وأراد المعماريون ايجاد فن معمارى يناسب العصر التكنولوجى ، من هنا ظهر لنا جانب أخر هام للعمل الجدارى المعاصر ألا وهو إرتباطه بالأحداث السائدة خلال الفترة الأخيرة من القرن العشرين ، وإرتباطه بمواكبة التقدم التكنولوجى الذى كان له أكبر الأثر على الفن ، حيث يتمثل التقدم التكنولوجى فى إنتاج خامات وأدوات مستحدثة ، والتى بدورها ساعدت الفنانين على اكتشاف سلسلة من أساليب العمل الجديدة ، التى تميزت بتحقيق نواحى جمالية ، ودعت الفنانين لاستخدام خيارات معينة فى أعمالهم ، وبالتالى التخلص من العديد من أفكار التقليدية فى الفن ، لتقديم تجارب بصرية أخرى ، وقد تحقق هذا خلال أنماط متعددة لبناء الأعمال الجدارية . من حيث علاقة الشكل بالأرضية وتوزيع درجات الألوان المضىء والمعتم ، ومعالجات السطح ، والصياغات اللونية ، والفراغ ... الخ والتى إرتبطت بحلول تقنية وشكلية جديدة .
بمعنى أخر نجد ان الفن الجدارى بمفهومة المعاصر لم يعد من الممكن النظر إليه كمرحلة تالية لما سبقه من فنون ، ومرجع ذلك أن هناك مفاهيم عديدة إرتبطت بالفن تتمثل فى منهجية ما بعد الحداثة التى تسلط ضوءا جديدا على فن الحداثة ليستخدم كثيرا من استراتيجياته وتقنياته الجمالية ويعمل على توظيفها فى منظومات جديدة .
مثالا على ذلك نجد أن التصوير الجدارى المعاصر إرتبط بمفهوم يبتعد عن الصياغة التقليدية للصورة ( الإطار المحدد ـ المعالجة السطحية بعيدا عن تحقيق البعد الثالث الحقيقى ، .. إلى غير ذلك ) وهذا المفهوم يتمثل فى الجمع بين مجال التصوير ومجال التصميم ـ ومجال النحت ـ التصوير المجسم ـ حيث تخلى عن الإطار المحدد ، معالجة العمق فقط ، الصياغة اللونية التقليدية ... إلخ ، وأتاح الفرصة لإنطلاق الحجم والمجال وأبعاد الصورة بمنطق حقيقى ، كما أعتمد على توظيف خامات عديدة كبديل عن اللون التقليدى .
هذا ومن جانب أخر وجدنا أن الفن أيضا قد تخلى عن المفاهيم التقليدية للعرض من أجل التوصل إلى رؤية جديدة للواقع ، واختصرت المسافة بين الفن والحياة ، بمعنى التوجه نحو العمل بمادة العالم بشكل مباشر متضمنا كل العمليات الفكرية ، وليس له هدف غير الفكرة ويتحرر الفن من المهارة الحرفية للفنان ، حيث تصبح الفكرة هى الهدف الحقيقى للفن بدل من العمل الفنى .
مما سبق نجد أن العمل الجدارى فى العصر الحديث يمثل منهجا يحتوى على معايير جديدة ، فى الفنون و له جذور عبر فنون الحضارات وإتجاهات فى الفن الحديث ، كما يرتبط أيضا بالجماهير و يحتاج خلال تنفيذه إلى مفهوم جماعى لصياغته ، بالإضافة لذلك يعتمد على منهجية معاصرة ـ ما بعد الحداثة ـ كما أنه يرتبط بصياغات عديدة نجد منها الجمع بين الفنون بمفاهيمها المختلفة ـ الجمع بين التصوير و التصميم والنحت ( التصوير المجسم ) والخزف .